ترامب والقضية السورية
ترامب والقضية السورية
● مقالات رأي ١٢ نوفمبر ٢٠١٦

ترامب والقضية السورية

بدا في فترة التحضير للانتخابات الرئاسية الأميركية أن ثمة ميلاً للحذر والتخوف في موقف السوريين من ترشح دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، وتفضيلاً لأن تأتي المرشحة هيلاري كلينتون إلى هذا المنصب، ليس لأنها أفضل من يتولاه، بل لأنها الأقل ضررًا للسوريين حسب التقديرات، وكان الموقف في أوساط المعارضة السورية، أكثر حساسية في الخيار بين ترامب وكلينتون، وتفضيل مجيء الأخيرة، لأنها وزيرة خارجية سابقة، ولديها خبرة في القضية السورية، وباعتبارها سيدة، قد يضفي وجودها نوعًا من أنسنة للسياسة الأميركية في الموضوع السوري، ولأنها من الديمقراطيين الذين يوصفون بالمعتدلين مقارنة بالجمهوريين، رغم أن كثيرًا من السوريين لا يؤمنون بهذا التمايز فيما يتعلق بقضيتهم.

مصدر قلق السوريين ومعارضتهم من فوز ترامب، كان في مجيئه من خارج النخبة السياسية المعروفة، ومن شعبويته ومن تصريحاته التي رافقت ترشحه، وكان لبعضها معانٍ ودلالات، تتصادم مع منظور السوريين ونخبتهم في النظر إلى السياسة، والسياسة الأميركية بشكل خاص، وهذا يفسر الحذر من وصوله إلى البيت الأبيض الذي سيحل فيه لأربع سنوات، تليها أربع أخرى على الأغلب.

غير أن أسباب الحذر ليست كافية على الأقل، وفقًا لما كشفت المعطيات الأولية، التي ظهرت على الجانب الأميركي. فكون الرجل من خارج النخبة السياسية المعروفة، لا يمكن اعتباره أمرًا يدعو للتوجس والحذر، فقد جاء إلى الرئاسة الأميركية أشخاص من خارج النخبة مثل الرئيس رونالد ريغان، القادم من عالم هوليوود، واستطاع من خلال رئاسته للمؤسسة الأميركية الحاكمة البقاء في منصبه لدورتين في ثماني سنوات، ما بين 1981 و1989، وهذا يرسم ملامح طريق يمكن أن يسير عليه ترامب.

أما في موضوع شعبوية ترامب، فقد ثبت أن لها حضورًا في الواقع الأميركي، وهذا ما أكدته نتائج الانتخابات، وتعبيره عن ميول الأكثرية الأميركية بأخذه أكثرية أصوات الناخبين، ومنهم أكثرية أصوات الأميركيات (53 في المائة)، الذين لا شك أنهم ملوا و«قرفوا» من سياسات النخبة السياسية المعروفة، التي ندد بعيوبها الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقالة عميقة له، نشرها أواخر العام الماضي عن احتمالات الانتخابات المقبلة وخراب النخبة المرشحة، التي كان ترامب في أواخر أسمائها، ومع شعبويته، التي دغدغت أحاسيس الأكثرية الأميركية، وصل إلى البيت الأبيض بخلاف تقديرات مؤسسات ورموز النخبة بما اشتغلته من استطلاعات رأي وتقديرات مراكز الأبحاث وتحليلات في الصحافة الأميركية، التي كانت تترقب هزيمة ترامب المؤكدة في الانتخابات الرئاسية.

أما في موضوعات تصريحات ترامب، التي أثار كثير منها عواصف حول الرجل وسياساته المرتقبة في المجالات الداخلية والخارجية. فإن البعض، ومنهم سوريون، نسي أو تجاهل، أنها جاءت في إطار معركة انتخابية، يقال في كثير من محطاتها، ما لا يقال في مواقع وأماكن وأزمان أخرى خارج المعركة، ويبدو أن محتويات «خطاب النصر» الذي ألقاه ترامب بعد فوزه بمثابة تأكيد ملموس لهذه الحقيقة، التي من الواضح أن كثيرين لم يدركوها، ليس من سوريين فقط، بل وغيرهم بمن فيهم أميركيون في مواقع لا تسمح لهم بمثل هذا الخطأ الشنيع.

لقد تضمن الخطاب المختصر للرئيس الجديد روحًا عالية من المسؤولية، بخلاف كل محتويات مناظراته وخطاباته في المعركة الانتخابية. فشكر كلينتون، وأشاد بها، قبل أن يؤكد ضرورة وحدة الأميركيين، وأنه سيكون رئيسًا لهم جميعًا، وأن الدولة سوف تخدمهم، مؤكدًا أن «أميركا لن تقبل بعد اليوم بأقل من الأفضل»، وواعدًا: «نحن سنحدد مصير بلدنا»، قبل أن يختتم خطابه بالقول: «أقول للعالم إننا سنبحث عن الشراكات لا عن الصراعات، وسنتعامل بعدل مع الجميع».

ورغم أن تحسن الحالة الأميركية يمكن أن يساهم في دور أفضل للسياسة الأميركية في العالم، فإن الأهم بالنسبة للسوريين، هو الإطار الذي يرسم سياسة واشنطن الخارجية، وقد حدده ترامب على أساس الشراكات لا الصراعات، والأهم أنه يقوم على العدل مع الجميع، وإذا وجد هذا الإطار طريقه للتطبيق، فإن سياسة ترامب في القضية السورية، ستكون أفضل من سياسة سابقه أوباما، التي قامت على التخلي عن دورهم، بل وتسليم الملف إلى روسيا رغم أنها طرف في القضية السورية، وحامية مباشرة لنظام الأسد، وقوة لمنع سقوطه وإعادة تأهيله وعودته إلى المجتمع الدولي بعد كل ما ارتكبه وما يرتكبه من جرائم ضد السوريين وما تتركه من تداعيات على المجتمع الدولي.

ليس للسوريين ومعارضتهم أن يراهنوا على سياسة أميركية مختلفة، فهذا مجرد احتمال، خصوصًا بعد أن فشلت رهانات بعضهم على سياسة أوباما وإدارته في السنوات الست الماضية، لكن عليهم أن يعملوا من أجل سياسة أميركية أفضل في عهد ترامب وعودة بأميركا فاعلة وتعامل بعدل، وإن لم ينجحوا كما حصل سابقًا، أو لم تستجب إدارة ترامب لمساعيهم، وتبدلت سياساتها حيال القضية السورية، فلن يخسروا شيئًا، ولن يكون وضع السوريين وقضيتهم بأسوأ مما كانت عليه سياسة أوباما وإدارته في السابق، فقد كانت أسوأ ما يمكن أن تكون عليه السياسة في مجرياتها وفي نتائجها.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ