بين زيمبابوي وسورية
بين زيمبابوي وسورية
● مقالات رأي ١٩ أغسطس ٢٠١٨

بين زيمبابوي وسورية

تنتظر زيمبابوي، خلال أيام، الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، وهي أول انتخابات حرّة تجرى بعد الانتهاء من حكم الدكتاتور روبرت موغابي الذي استمر 37 عاماً.

منذ حصولها على استقلالها عن بريطانيا في عام 1980، تمكّن بطل الاستقلال موغابي، من حكمها، حتى عام 2017 عندما تمكّن الحزب الحاكم والجيش من إطاحته في انقلاب أبيض، حينها فوجئ ليس العالم فقط، وإنما المواطنون الزيمبابويون أيضاً، فتشبث موغابي بالسلطة، وهو الذي تجاوزت شهرته أحد أهم دكتاتوريي أفريقيا في القرن الواحد والعشرين الآفاق، حيث كلفت الكثير من الأرواح والأموال.

تسلم موغابي السلطة في عام 1980 في البداية رئيسا للحكومة، ثم رئيساً، حيث كان قيادياً من أجل النضال لاستقلال زيمبابوي عن بريطانيا ضمن حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي في زيمبابوي (ZANU) ، وبدعم نشط من القوى الشيوعية في تلك الفترة ودول أفريقية مجاورة، وتراوح النشاط بين العمل السياسي السلمي والعسكري، حيث بدأ الحزب بالقيام بعمليات حرب العصابات ضد حكومة روديسيا (الاسم السابق لزيمبابوي قبل الاستقلال) ذات الأغلبية البيضاء.

استند موغابي إلى تاريخه في النضال ضد الاستعمار مبرّرا للاستبداد بالسلطة المطلقة، وحصر السلطة والثروة بيده، ومع تزايد الاحتجاجات ضده، التي كان يقمعها بقوة، وكانت الأوضاع الاقتصادية والصحية تتدهور بشكلٍ لا مثيل له، حتى بالمقارنة مع دول الجوار الأفريقية الأخرى، فبحلول عام 1997 كان ما يقدر بنحو 25٪ من السكان قد أصيبوا بفيروس نقص المناعة البشرية في وباءٍ كان يؤثّر على معظم جنوب أفريقيا.

وكي يحول الانتباه عن فشل سياسته الاقتصادية، لجأ إلى السياسات الشعبوية في قضية إعادة توزيع الأراضي التي جعلها قضية رئيسية عام 1997، حيث تملك الأقلية البيضاء الذي لا يتجاوز عددها 0.6٪ أكثر من 70٪ من الأراضي الزراعية الخصبة. وفي العام 2000، أقرّ قانون الإصلاح الزراعي، وتم تطبيقه بالقوة، وقد أدت مصادرة الأراضي الزراعية، وعدم تمكّن الملاكين السود الجدد من زراعتها من انتشار الجفاف وانخفاضٍ خطير في التمويل الخارجي، وغيره من أشكال الدعم، وهو ما أدّى إلى انخفاض حاد في الصادرات الزراعية التي كانت تقليديا القطاع الرائد في التصدير. ووجد الرئيس موغابي وقيادة حزب زانو- بي إف أنفسهم محاصرين بمجموعة كبيرة من العقوبات الدولية، رداً على مصادرة الأراضي في عام 2002، حيث تم تعليق عضوية زيمبابوي في كومنولث الأمم بسبب هذا القانون وتزوير الانتخابات. وفي أواخر عام 2008 ، وصلت المشكلات في زيمبابوي إلى مستويات الأزمة الإنسانية الكبرى في مجالات مستويات المعيشة والصحة العامة (مع تفشّي الكوليرا في هذا العام) وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وهو ما يسميه الخبراء "التضخم الصارخ"، حيث لم يعد للقيمة المحلية أي قيمة حقيقية، أو قدرة على الشراء، إلى درجة أن هناك ورقة من العملة المحلية من فئة مائة مليار، لكنها لم تكن تعادل في تلك الفترة أكثر من عشرة دولارات. وفي سبتمبر/ أيلول 2008، وتحت الضغوط الدولية، تم التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين تسفانغيراي المعارض الرئيسي، والذي ترشح في انتخابات عام 2008 ضد الرئيس موغابي، ما سمح للأول بتولي منصب رئيس الوزراء، وبسبب الخلافات الوزارية لم يتم تنفيذ الاتفاقية بالكامل حتى 13 فبراير/ شباط 2009.

أعيد انتخاب موغابي رئيسًا في الانتخابات العامة في يوليو/ تموز 2013، والتي وصفها المراقبون الدوليون أنها غير ذات صدقية، وتضمّنت كثيرا من التلاعب والغشّ والتزوير. وأعاد موغابي فرض حكم الحزب الواحد، فبدأت الاحتجاجات على مستوى البلاد بخصوص الانهيار الاقتصادي في البلاد، واعترف وزير المالية في ذلك الوقت "لا نملك أي شيء بالمعنى الحرفي للكلمة". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قاد الجيش انقلابًا عقب إقالة نائب الرئيس إيمرسون منانغاغوا، ووضع موغابي قيد الإقامة الجبرية. نفى الجيش أن يكون ما قام به يعد انقلاباً وأجبر موغابي على الاستقالة، بعد أن قاد البلاد 37 عامًا. وذكرت حينها مجلة الإيكونومست أن حكومة موغابي تسبّبت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في وفاة ثلاثة ملايين زيمبابوي على الأقل خلال 37 عامًا.

قال المراقبون الدوليون الذين حضروا لمراقبة الانتخابات إنها اتصفت بالنزاهة والشفافية، حيث كان السباق بين حزب زانو- بي إف من مانغاغوا وحزب حركة التغيير الديمقراطي في تشاميزا، والفرق بين المرشحيْن كان ضيقاً للغاية. وعلى الرغم من اتهامات المعارضة الحزب الحاكم، وهو حزب موغابي، حزب زانو- بي إف الحاكم، بأنه يحاول التلاعب بالأصوات للسماح للرئيس إيمرسون مانغاغوا بالفوز، فذلك لا يلغي تنافسية هذه الانتخابات، ودورها المهم في تحديد مصير زيمبابوي للسنوات المقبلة.

تعد زيمبابوي أكثر الدول فقراً على الإطلاق، وفق بيانات البنك الدولي، حيث يعيش كثيرون من سكانها بأقل من دولار في اليوم، وهي الدولة ألأولى التي تشهد ما يسمّى التضخم الصارخ، (دخلته فنزويلا أخيرا). وعلى الرغم من ذلك كله، نجحت في تأمين انتقال سلمي للسلطة، وعبر انتخابات نزيهة، خضعت للمراقبة الدولية، لكي تنهي 37 عاماً من حكم الدكتاتور موغابي، وذلك في الوقت الذي لدى سورية طبقة وسطى أوسع بكثير، وطبقة رجال أعمال لديها علاقاتها التجارية الكبرى مع دول الجوار وأوروبا، كما أن سورية دولة ذات حضارة عمرها أكثر من عشرة آلاف عام، فحلب أقدم مدينة مأهولة، تليها دمشق، بينما لا تتجاوز حضارة زيمبابوي ما بعد القبلية الخمسين عاماً، ويعود الفضل فيها إلى الاستعمار البريطاني.. السؤال المحيّر: كيف نجحت زيمبابوي، بمثل هذه المؤشرات، وفشلت سورية كلياً في تحقيق مثل هذا الانتقال، بل دخلت في أسوأ مرحلة من تاريخها في عمليات القتل والإبادة الجماعية، تحت أعين العالم، وبرعاية بشار الأسد.

تفشل النظرية التي تربط التحول الديمقراطي بنمو الطبقة الوسطى في إعطائنا تفسيراً مقنعاً هنا، والأكثر إقناعاً أن الحضارة والثقافة والاقتصاد كلها لن تنفعك، إذا كانت القيادة، كقيادة الأسد وأعوانه، مسكونة بهاجس الطائفية، ووجودها وتدفع بلداً بأكمله إلى التدمير من أجل بقائها في السلطة، وهو ما يلخص ما نقل على لسان مدير المخابرات الجوية، جميل الحسن، أن أكثر من ثلاثة ملايين ملف لمطلوبين سوريين داخليا وخارجيا جاهزة، مضيفا أن "العدد الهائل للمطلوبين لن يشكل صعوبةً في إتمام الخطة؛ فسورية بـعشرة ملايين صادق مطيع للقيادة أفضل من سورية بـ 30 مليون مخرّب"، حسب وصفه.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: رضوان زيادة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ