المنطقة الآمنة: أمس غير اليوم
المنطقة الآمنة: أمس غير اليوم
● مقالات رأي ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥

المنطقة الآمنة: أمس غير اليوم

"المنطقة الآمنة"، الكلمة باتت متكرّرة كثيراً في الآونة الأخيرة، في ما يتعلق بالوضع السوري والحرب الدائرة هناك. هو حديث قديم متجدّد، لم يرَ النور في الأيام الأولى للثورة وبداية الانشقاقات عن جيش بشار الأسد. حينها، تم التدول في شأنه، وحيكت سيناريوهات كثيرة تربط وضع الأيام الأولى للثورة السورية بما كان حاصلاً قبل فترة وجيزة في ليبيا، لكن المشروع اصطدم بالاعتبارات الدولية والإقليمية التي عرقلته، وكانت من الأسباب الأساسية في وصول الأمور في سورية إلى ما هي عليه اليوم. إذ إنه غني عن القول إن تطبيق المنطقة الآمنة في ذلك الوقت، أي من أربع سنوات ونيّف، كان سيعصم البلاد من ويلاتٍ كثيرة تعيشها اليوم، وأهمها ظهور "داعش" على المسرح، وبثّه الرعب الذي بات يتخطى الحدود السورية إلى العالمية.
في ذلك الحين، كان يمكن للمنطقة الآمنة أن تكون حاضنة لأرتال الجنود الباحثين، أو الراغبين، في الانشقاق عن جيش النظام، وتكوين نواة جيش حقيقي من الممكن أن يتولى الدفاع عن المدنيين الكثر الذي قتلهم النظام، ولا يزال يقتلهم، إلا أن الأمور دخلت في المنحى الفوضوي، واسم "الجيش الحر" الذي ظهر على الساحة لم يكن إلا عنواناً عريضاً بلا أي مغزى، خصوصاً أن كل الفصائل التي انضوت تحت هذا المسمّى كانت تعمل بدون الحد الأدنى من التنسيق اللازم في العمل العسكري.
أيضاً أزمة اللاجئين التي أصبحت شأناً عالمياً، كان من الممكن للمنطقة الآمنة أن تحل جزءاً كبيراً منها، باعتبار أن هذه المنطقة ستكون محمية في إطار حظر جوي، يمنع النظام من إلقاء براميله على المدنيين الآمنيين، ما يعني أن مخيمات اللجوء للسوريين المتوزعة على دول الجوار، والتي وصلت، أخيراً، إلى أوروبا، كانت ستكون قرى سورية في هذه المنطقة التي كان لا بد أن تتوسّع، لاحقاً، بفعل التنسيق العسكري، الذي لم يحصل.
كان هذا كله ممكناً في الفترة الأولى للثورة السورية، ومع الإرهاصات الأولى للتسليح، وآثاره كانت ستغيّر مجرى الأمور الحاصلة حالياً، غير أن هذا كله لم يحصل، وانتظر الغرب، والأتراك، أكثر من أربع سنوات، ليعيدوا الحديث عن هذه المنطقة التي لا تزال تنتظر التطبيق غير المضمون. لكن، حتى لو تم الأمر حالياً، أيّ مكاسب ستحقّق للثورة السورية بعدما أصبحت البلاد ساحة حرب عالمية، وتحركت إليها الأساطيل الدولية، وباتت سماؤها مفتوحة للطائرات من كل حدب وصوب؟
بالتأكيد، الحديث عن المنطقة الآمنة، أو الخالية، والتي يجري ترويجها في إطار محاربة "داعش"، لن يحقق كل ما كان من الممكن أن يحققه للثورة السورية وأهدافها، بل على العكس، هو يأتي اليوم فقط لإراحة الدول التي تصنّف "راعية للثورة"، وتحديداً تركيا، من أعباء كثيرة، وفي مقدمتها اللاجئون، الذين يبحث الأتراك عن التوقف عن استقبالهم والتخفيف من هؤلاء الموجودين في الأراضي التركية. الأمر نفسه ربما بالنسبة إلى الدول الغربية التي أصبحت مؤيدة لإقامة هذه المنطقة، بعدما كانت معارضة بالمطلق، إذ ربما تدرس إعادة مئات أو آلاف من اللاجئين الذين وصلوا إليها بذريعة أن الأمن سيكون مكفولاً في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة من الأراضي السورية.
لكن، هل الزمن حقاً سيكون مكفولاً؟ بالتأكيد لا، فكل ما كان ممكناً تحقيقه بإقامة هذه المنطقة سابقاً، أصبح مستحيلاً، ومخاطره ستكون مفتوحة على اندلاع حربٍ أشمل في المحيط الإقليمي، وربما الدولي. فأي أمن ممكن تحقيقه بدون إقامة منطقة حظر للطيران، وأي حظر للطيران سيمنع المقاتلات الروسية من التحليق في الأجواء السورية كافة، واختراق الأجواء التركية أيضاً؟ وأي قوة ستأخذ على عاتقها منع القوات البرية السورية والإيرانية من الدخول إلى المنطقة الآمنة هذه من دون أن تكون سبباً في مواجهة إقليمية أوسع؟
أسئلة كثيرة تصب كل إجاباتها في خانة أن المنطقة الآمنة لن تكون مكسباً للثورة السورية، بل قد تزيد الأمور تعقيداً.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: حسام كنفاني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ