القدس في مسار ربيع الثورات
القدس في مسار ربيع الثورات
● مقالات رأي ١٧ مايو ٢٠١٨

القدس في مسار ربيع الثورات

ليست هذه المرة الأولى التي ينتفض فيها الشارع الفلسطيني وغزة تحديدا منذ اندلاع ثورات الربيع لكنها المرة الأولى التي يتحرك فيها الشارع الفلسطيني في أوج انتصارات القوى المعادية للثورات ولمطالب الشعوب بالحرية والكرامة والسيادة على الأرض والثروات. إن انتصار الدولة العربية العميقة على ثورات الشعوب وسحقها جموع الجماهير بالحديد والنار في المساحات التي غطاها الربيع يمثل أهم المعطيات التي ترسم حدود السياق الجديد عربيا ودوليا وفلسطينيا.

بناء عليه فإن أهم المقاربات التي تقرأ مسار الصراع العربي الصهيوني في فلسطين إنما تستمد أهميتها من وعيها بهذا المعطى المركزي في هذا الصراع القديم المتجدد أي أن إغفال هذا المعطى الجديد لا يسمح لأية قراءة جادة بولوج جوهر الصراع وفهم آليات لحظته الراهنة. يتأسس السياق الجديد على جملة من الظواهر والشروط التي يمكن تلخيص أهم وجوهها في النقاط التالية:

أول هذه الشروط هي الحركة الكبيرة التي دشنها الربيع العربي في أكثر من بلد معيدا إلى سطح الأحداث قدرة الجماهير على تهديد أنظمة الحراسة العربية بما هي الحائط الأساسي الذي يحول دون الجماهير ودون التحرك لنصرة قضية فلسطين. بمعنى آخر فإن الربيع العربي أكد حقيقة أساسية وهي أن الشعوب قادرة على إسقاط الأنظمة الاستبدادية التي هي صناعة استعمارية بالأساس وهو ما يهدد بإلغاء وجود الطرف الذي رسخ معاهدات السلام المتتالية مع الكيان الصهيوني بدءا بمصر وصولا إلى المنظومة الخليجية.

ثاني هذه الشروط إنما يتجلى من جهة أخرى في خروج فواعل أساسية من حلبة الصراع المباشر وغير المباشر مع الكيان الصهيوني. فبعد العراق الذي دمره الغزو الأمريكي خرجت سوريا من المعادلة وتحولت إلى مرتع لمختلف القوى الاستعمارية الروسية والأمريكية وغيرها. أما في مصر فقد أطاح الانقلاب العسكري الدامي على الرئيس الشرعي بكل أمل في أن تتحول مصر إلى لاعب إقليمي يعادل في وزنة الدولي وزنه الديمغرافي والتاريخي والجغرافي. كذلك دول الخليج العربي والتي بقيت مدة طويلة بمأن عن الهزات والتهديدات الداخلية والخارجية فإنها هي أيضا صارت مهددة بالانفجار من الداخل خاصة بعد حصار قطر وتعمق الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي.

أما ثالث الشروط فيتجلى في دخول فوعل جديدة إلى المنطقة وإلى قلب الصراع العربي الصهيوني وهما أساسا تركيا من جهة وإيران من جهة أخرى باعتبارهما -رغم تباين الأدوار - المستفيدين الأساسين من حالة التشرذم والتناحر العربي. حيث وسعت إيران مجال نفوذها الذي تجاوز العراق ليبلغ دمشق وصنعاء ويطبق تمام على بيروت ويحرك خلاياه في كل المناطق العربية التي تتواجد بها خلاياه سرا أو علنا. أما تركيا فقد استفادت من فراغ الذي تركته الدول العربية السنية وتحولت لاعبا رئيسيا في مختلف القضايا التي تهم الأمة.

هذه العناصر وغيرها هي التي أسست لواقع جديد أو بالأحرى لخصائص جديدة للواقع العربي. فقد أدركت الحركة الصهيونية أن استفاقة الشعوب العربية وإطاحتها بأنظمة حليفة لها لن يكون في صالحها لأنها ستفرز واقعا جديدا لن يرضى ببقاء الاستعمار جاثما على مقدسات الأمة وعلى أرضها التاريخية وسيعمل على إلغاء الأمر الواقع وبناء واقع جديد يتلاءم مع شعارات الحرية والتحرر التي رفعتها جماهير الثورات العربية في الساحات والميادين.

دعمت الصهيونيةُ الحركة التي عطلت مسار الربيع وحكمت عليه بالانحسار وتمثلت تلك الحركة في الانقلاب المصري الدامي مسنودة بالمال الخليجي الذي تقاطعت مصالحه مع المصالح الصهيونية في تلك اللحظة التاريخية وخاصة من السعودية والبحرين والامارات. كان الانقلاب المصري ودعم النظام في سوريا ومنعه من السقوط من أهم العوامل التي لم تسمح لموجة الربيع العربي ببلوغ منتهاها وأسقطت مطالب الجماهير السلمية في الفوضى والتقاتل والحروب.

هذا الواقع الجديد هو الذي سرّع المشروع الاستيطاني الصهيوني وفرض عليه الإسراع في تنفيذ خطواته التي على رأسها الاستحواذ نهائيا على القدس ودفن حل الدولتين وفرض أمر واقع بالقوة على الشعب الفلسطيني مستفيدة من ضعف الأنظمة العربية وخوفها من ثورات شعوبها.

كان مطلب النظام الرسمي العربي هو البقاء في الحكم مهما كانت التكاليف في الدماء وفي المعمار وفي البشر والحجر كما يظهر ذلك جليا في سوريا مثلا. وكان مطلب النظام الصهيوني هو الحصول على أكبر قدر من المكاسب على حساب الشعب الفلسطيني. التقى المطلبان في لحظة تاريخية واحدة فكان التنسيق بين النظام الاستبدادي العربي والنظام العنصري الصهيوني من أجل أن ينقذ أحدهما الآخر عبر ما اصطلح عليه "صفقة القرن" التي تتجلى مظاهرها أمامنا اليوم في المواجهات الدامية بغزة وفي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية للنظام الصهيوني.

إن قراءة تطورات الصراع في فلسطين خارج هذه المعطيات الأساسية بما فيها الانقلاب التركي الفاشل ومحاولة الانقلاب على النظام في قطر لا تسمح بتبين المرحلة الجديدة التي دخلتها المنطقة العربية وهي مرحلة توحي بتجدد الصراع العربي الصهيوني على أسس جديدة وبقواعد مختلفة عن تلك التي كانت قبل الانفجار التونسي الكبير.

المصدر: عربي 21 الكاتب: محمد هنيد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ