الشعب الروسي والثورة السورية
الشعب الروسي والثورة السورية
● مقالات رأي ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨

الشعب الروسي والثورة السورية

شهدت مدينة ستالينغراد إحدى أهم المعارك في الحرب العالمية الثانية بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي، كما تعرضت مدينة لينيغراد (بطرسبورغ حالياً) إلى حصار دام تسعمائة يوم فرضته قوات هتلر، وانتهى بتحرير الجيش السوفياتي المدينة في بداية عام 1944.
ليس صحيحاً دائماً أن الشعب الذي تعرض للظلم والقتل والتجويع والحصار، مثل الشعب الروسي، سيقف ويؤيد ثورة كل شعب أراد من خلالها التخلص من القمع، والوصول إلى الحد الممكن من الحرية.

في استطلاع أجراه مركز ليفادا المستقل في أغسطس/ آب 2016، أظهرت النتائج أن 49% فقط من الروس يرغبون بأن تنهي بلدهم تدخلها العسكري في سورية في أسرع وقت ممكن. وبالتأكيد، ليس السبب إنسانياً أو أخلاقياً، فالاستطلاع نفسه يؤكد أنّ 56% يتابعون المستجدات في سورية بشكل سطحي، بينما لا يعرف 26% منهم أي شيء عن الوضع في سورية.

للشعب الروسي ثقافته الخاصة، ولا يتفاعل كثيراً مع بقية الثقافات، ولا يهتم كثيراً بالأخبار الخارجية، سياسيةً كانت أو غيرها، وإذا كانت الدنيا كلها تدخل إلى موقعي فيسبوك أو تويتر، فإن الروس لا يمتلكون، في الغالب، حسابات نشطة على هذه المواقع، ولهم مواقعهم الخاصة للتواصل الاجتماعي، مثل موقع فكنتاكتي الشهير. ولعل تجربة بطولة كأس العالم الذي استضافته روسيا أخيرا قد حرّكت هذا الركود في التعامل مع الآخر، ومثالا بسيط على ذلك، كتب أحد المشجعين الرياضيين على صفحته في "فيسبوك" أن الروس يستغربون حتى إن ابتسمت في وجوههم: هل هناك سبب لابتسامتك؟

انتقلت روسيا؛ وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اقتصادياً إلى الرأسمالية، فالمواطن الروسي مشغولٌ، بالدرجة الأولى، بلقمة عيشه، إضافة إلى ذلك هو يتعرّض إلى تضليل إعلامي كبير، تقوم به وسائل الإعلام المختلفة التي تمجد في ذهنه فكرة الدولة العظمى، والقائد الملهم الذي يحسن التصرف في السياسة، ولا يجوز انتقاده، وكل تصرفاته وأقواله جاهزة للقبول، وغابت فكرة الدولة المؤسساتية التي لا تتأثر بالأشخاص. واليوم؛ غالبية الشعب الروسي يصدّقون ما يقوله التلفزيون الرسمي كما يصدّق المؤيدون القنوات الأسدية، فالحرب في سورية هي على الإرهاب الذي إن لم يقضوا عليه في عقر داره، فإن عدواه ستنتقل إلى الداخل الروسي، وهذه الكذبة هي السلعة الرائجة في الإعلام الروسي، لكسب تأييد الرأي العام. ولكن على الرغم من كل هذا التضليل، تطفو على السطح أحياناً بعض الأصوات المستهجنة هذه الدعاية المضلّلة، ففي الرابع عشر من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، كتبت قناة ناشتاياشي فريميا في موقعها الإلكتروني: "منذ أسبوعين والقنوات الموالية للكرملين تتحدث عن هجوم بالسلاح الكيميائي على إدلب تحضر له المعارضة، حتى أنّ هذه القنوات حددت موعد الهجوم، وهو 13 سبتمبر/ أيلول، ولكن لم يحدث شيء".

يشترك الشعب الروسي مع بقية الشعوب في صمته تجاه المذبحة السورية، ولا يقل هذا الصمت خطورة عن صمت شعوبنا العربية والإسلامية، فأين هي المظاهرات التي خرجت من أجل حمص أو حلب أو الغوطة، والآن إدلب؟ ولن يؤدي موقفه من الثورة اليتيمة إلى تغيير جوهري في الوضع الراهن في سورية، لكن الواجب الأخلاقي والإنساني يحتم عليهم، وعلى كل أحرار العالم، أن يقولوا لا للقتل، ولا لتجريب الأسلحة المحرمة دولياً على جماجم أطفالنا.

صحيح أن روسيا ترزح تحت سياسة بوتينية صارمة هي سياسة الحزب الحاكم، وتحت رحمة القيصر المغرور الذي لا يستمع للأصوات التي لا تروق له، ولا يولي لها أدنى اهتمام مهما ارتفعت. لكن كل ذلك لا يعفي الشعب الروسي، بأن نطالبه أكثر من الجميع بالوقوف ضد سياسة بلاده الهمجية في سورية، فإن فشلنا إعلامياً في إيصال الصورة الحقيقية لما يجري في سورية كما يدّعون، فإن تورط بلادهم في المستنقع واضح للعيان، ونتائجه ستنعكس عليهم في الداخل قبلنا، ولهم في التجربة الأفغانية والشيشانية خير مثال.

وكما تحررت المدن الروسية من هيمنة هتلر ستتحرر حمص والغوطة وإدلب وسورية كلها من حصار القوات الروسية، وسنحتفل بزوال ماتازوف من شاشاتنا فهو، وكل من يفكر على طريقته، لن يغيروا رأيهم أبداً؟

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمود إبراهيم الحسن
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ