الحاضنة الشعبية وأثرها على الثورات
الحاضنة الشعبية وأثرها على الثورات
● مقالات رأي ٢١ نوفمبر ٢٠١٤

الحاضنة الشعبية وأثرها على الثورات

مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم و الطغيان ، و أن الشعب هو أساس كل تحرك يهدف الى تغيير نظام حكم اضطهده و سلب حقوقه و حاربه بلقمة عيشه ، و لا ريب أن الشعب هو المحرك و المولِّد لكل إنتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب إستبدادي تطالبه بالرحيل و تنشد التغيير ، و من هنا من هذا الشعب تولد الثورات ، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” و لا يلبث أن يتحول الحدث الى شرارة يشتعل بها أتون الغضب و الحقد على من إستبد و ظلم و تحكم ، و لا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب و العقول ، المتولدة من جحيم المعاناة و التعب و شظف العيش ، أن تتحول إلى ثورة عارمة .. يحوطها الشعب و يرعاها ..يؤيدها و يكلؤها بعين رعايته ، يأمن لها أسباب العيش و الإستمرار و يوفر لها الحضن الدافئ و الحامي ..
هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ ، ولدت من رحم الشعب ، و خرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من الم و مكابدة و صبر ، لتنتفض ضد نظام إستبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود ، نظام استبد و قتل و أجرم و سرق و نهب ، هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم و تنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن ، ثورة بدأت سلمية و استمرت كذلك ما وسعها الأمر ، و بفطرتها السليمة كذلك و عفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية و الأعراف الإنسانية بحق رد الظلم و حفظ النفس ، و بدأت كتائب الثوار بالتشكل و الظهور ، فظهر الجيش الحر الذي كان إبن ثورة الشعب البكر ، يحمل خصائصه و تفاصيله ، يحوي أطيافه و إثنياته ، و يرفع راية إستقلاله عن المستعمر ، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر الا بالخلق و الشجاعة و الاقدام و ما يحمله من فكر و حرية ، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة و فصائل متعددة و رايات متباينة ، كل منها له هدف و يقوده منهج و يحركه فكر ، منها المعتدل و الإسلامي و المتطرف و المغالي بالتطرف .
تحولت الثورة للعسكرة ، و باتت تشكيلاتها تتنازع المناطق و الاهداف و الوجود و الموارد ، و لم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها و اهم مصدر من مصادر شرعيتها ، و أقوى محرض على استمراريتها و هو الشعب .. تلك الحاضنة الإجتماعية الأساس و المركز ، فسعت التشكيلات و الفصائل إلى كسب ودها و استقطابها كل منهم على حساب الفصائل و التشكيلات الأخرى ، و كما تعددت مشارب و أهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم ، فمنهم حاورها و اندمج بها و اعانها قدر استطاعته ، و منهم من تكبر عليها و أهملها و منهم من حاول سوقها بالحديد و النار و القهر و الإرهاب ، و منهم من ظن انه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها ، و مارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها و التقرب منها ، ثم اظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية او الأيدولوجية ، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه و عول عليها .. لينتهي التشكيل او يضمحل او يتقوقع على نفسه برأس جبل او بطن وادي.
الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة ، و الحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين ، و الشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على ان يميز الخبيث من الطيب ، و ان يفرق بين الغث و السمين ، و لكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب و السنون ، يعطي الفرصة لمن يطلبها ، و يتمهل بالحكم ليرى النتائج ، و لكنه لا يصبر على ضيم ، و لن يستبدل مستبد بمستبد .. فليعي من يتطلع ليلي أمره بالسلاح او بالسياسة .. ان يحقق طموحات هذا الشعب و ان يلامس ألمه و ان يثبت عزمه على تحقيق أمله .. فبهذا يستمر و بهذا يحوز رضاه و بهذا يمتلك قلوب و عقول “الحاضنة الشعبية”

المصدر: شبكة شام الكاتب: مراسل شبكة شام
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ