إشكالية معركة دير الزور
إشكالية معركة دير الزور
● مقالات رأي ٧ سبتمبر ٢٠١٧

إشكالية معركة دير الزور

تتسابق التحضيرات العسكرية بين القوى المتصارعة في الساحة السورية لإطلاق معركة دير الزور، التي تعتبر -بالمقاييس العسكرية والجغرافية والاقتصادية وحتى الأيديولوجية- أم المعارك بعد معركة حلب. وأهمية معركة دير الزور لا تكمن في كونها المعركة الأخيرة الرئيسية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا فحسب، بل بسبب خصوصية المحافظة والتعقيدات المرافقة للعملية العسكرية فيها.

ولذلك فإن الإشكالية التي تواجه المعركة تكمن في القوى التي ستطلق المعركة، وفي الحدود الجغرافية المتاحة لكل طرف، فالمحور الأميركي الُممثل بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) و"مغاوير الثورة" أضعفُ من أن يُطلِق معركة دير الزور، في حين يبدو المحور الروسي الممثل بالجيش السوري والقوات التابعة لإيران قويا وقادرا على إطلاق هذه المعركة.


خصوصية المحافظة
محافظة دير الزور هي ثانية كبريات المحافظات من حيث المساحة، إذ تبلغ نحو 33 ألف كيلومتر مربع، وتلاصق محافظة الحسكة من الشمال ومحافظة الرقة من الشمال الغربي ومحافظة حمص من الجنوب الغربي، مما يجعلها منفتحة على وسط سوريا (البادية والقلمون الشرقي)، وعلى الشمال الشرقي والشمال الأوسط.

ولا تقتصر الأهمية الجغرافية لدير الزور على الداخل السوري، فهي ملاصقة لمحافظتين عراقيتين (نينوى والأنبار)، الأمر الذي يضفي عليها أهمية كبرى، إذ أنها المعبر الجغرافي الأهم بين سوريا والعراق، بسبب توافر البنى التحتية والكثافة السكانية والقرب الجغرافي للعاصمتين.

وذلك على خلاف الحسكة التي تعتبر بعيدة جغرافياً، وريف حمص الشرقي المتاخم للعراق النائي والمقفر من الحياة. وعليه فقد شكلت محافظة دير الزور امتدادا طبيعيا للأنبار، بقدر ما كانت محافظة الأنبار امتدادا طبيعيا وديمغرافياً لدير الزور.

تضاف إلى ذلك الثروات الطبيعية في المحافظة من الزراعة (القمح والقطن والسمسم وصخور وعروق يستخرج منها الملح الصخري عبر منجم التبني)، إلى الثروة النفطية (حقول العمر والتنك والجفرة والورد والتيم)، فضلا عن محطات النفط ("تي تو" T2 والخراطة) ومعامل الغاز.


أمام هذه المعطيات؛ تتجه أعين المتحاربين إلى دير الزور:
ـ بالنسبة للمحور الروسي، تعني استعادة السيطرة على المحافظة إعادة تأهيل النظام السوري اقتصاديا على المستوى النفطي والزراعي والحيواني، في وقت هو بأمس الحاجة إلى الدعم المالي. كما أن المحافظة ستشكل بالنسبة للنظام خزانا بشريا كبيرا لإمداد الجيش، مستفيدا من الوضع السيكولوجي للسكان بسبب الحياة المأساوية التي عاشوها تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.

ومن الناحية العسكرية، تعني السيطرة على المحافظة تشكيل سد جغرافي يمتد إلى حماة غربا مرورا بريف حمص الشمالي الشرقي وريف الرقة الجنوبي، ومن شأن هذا الشريط الجغرافي أن يكون بمثابة الحاجز أمام "وحدات الحماية الكردية" لمنعها من التوجه نحو الجنوب إن قررت فعل ذلك، ولحصارها في الشمال.

وأخيرا ستمنح المحافظة للنظام إعادة فتح الممرات الاقتصادية والعسكرية مع العراق وإيران، ولن يكون بحاجة -لإتمام ذلك- إلى موافقة "قوات سوريا الديمقراطية" كما هو الحال في الحسكة.

عند هذه النقطة يلتقي النظام مع إيران إستراتيجياً، ذلك أن استعادة الطريق الدولي الرابط بين بغداد ودمشق، يعني عمليا نشوء ممر جغرافي مستدام ينطلق من طهران إلى لبنان، ومن شأن هذا التطور أن يمنح طهران سيطرة على شرق سوريا وغرب العراق.

ـ أما بالنسبة للمحور الأميركي، فلا توجد لديه أهداف إستراتيجية طويلة الأمد في المحافظة، وكل ما يصبو إليه هو أن يعزز وجوده في منطقة جغرافية حدودية مع العراق، وإن كان الأمر مقتصرا على نقاط جغرافية ضيقة ومحدودة، إضافة إلى الحصول على حصة من الثروة النفطية.

وعند هذه النقطة تتقاطع المصالح الأميركية مع فصائل المعارضة السورية التواقة إلى وضع يدها على حقول نفطية.


ارتباك المحور الأميركي
يعاني المحور الأميركي من تعقيدات وثغرات عديدة، فقوات "قسد" مثلا ليست لديها أهداف إستراتيجية في محافظة دير الزور، وهي إن شاركت في العملية العسكرية فإنها تقوم بذلك بطلب أميركي.

ورغم قوتها الكبيرة ونجاعتها في المعارك ضد التنظيم، فإنها تعاني من مشكلة السيطرة على مساحات واسعة تضاف إلى مناطق سيطرتها، فهي لا تمتلك العدد البشري الكافي لذلك.

وعليه يبدو أن دورها العسكري سيكون لوجستياً، أو على الأقل العودة إلى مناطق سيطرتها بُعيد الانتهاء من معركة دير الزور، كما أنها مثقلة بمعركة الرقةوالترتيبات العسكرية/المدنية التالية للمعركة.

أما القوى العسكرية العربية (مجلس دير الزور العسكري وقوات النخبة وجيش المغاوير) فهي أضعف من أن تطلق هذه المعركة بمفردها، أو أن تحقق انتصارات عسكرية.

و"مجلس دير الزور العسكري" لا يمتلك سوى مئات من المقاتلين، ومعظمهم لم يخبر تجارب عسكرية كافية، في حين يعاني "مغاوير الثورة" من تشتت في عناصره المنتشرين في الحسكة شمال محافظة دير الزور، وفي شرقي محافظة حمص جنوب محافظة دير الزور.

والأمر ذاته ينطبق على "قوات النخبة" بعد انضمام جزء من عناصرها إلى "قسد" على خلفية استبعادها من المشاركة في معركة دير الزور، خوفا من حدوث صراع عشائري سني/سني ينعكس سلبا على سير المعارك، ذلك أن معظم عناصر "قوات النخبة" التي تنتمي إلى عشيرة الشعيطات، لديها ثأر مع عشيرتيْ البوكامل والبكير اللتين تحالفتا مع التنظيم الذي قام بقتل عدد كبير من أبناء الشعيطات.

كل هذه المعطيات تجعل أميركا متشككة في نجاح العملية العسكرية بالمحافظة، وهذا ما يفسر إلى الآن تأخير انطلاق المعركة، لكن الوقت يسير على عكس صالح واشنطن، إذ أن أي تأخير سيمنح المحور الروسي القدرة على تحقيق انتصارات، خصوصا مع اقتراب قوات النظام من الحدود الإدارية للمحافظة.

وأغلب الظن أن الولايات المتحدة تربط معركة دير الزور بالمعارك غرب العراق في نينوى والأنبار، فانتشار القوات الحليفة لها في مدينة الشدادي جنوبي الحسكة يوحي بأن الهدف الأميركي هو شمالي محافظة دير الزور وجزء من شريطها الحدودي مع العراق، لكن من دون فتح معركة الحويجة ومحيطها في العراق ستتعرض القوات الحليفة لواشنطن لهجوم عنيف من التنظيم.

وبناء على ذلك؛ يمكن الوقوف عند ثلاث مسائل: الأولى أن الإدارة الأميركية ليست بصدد السيطرة على كامل المحافظة، فهذا الأمر خارج المخططات الأميركية، والثانية هي أن واشنطن تسعى إلى الابتعاد عن قوات النظام بحيث لا تكون محصورة من قبلها، وهذا يعني أن الاهتمام الأميركي منصب على الريف الشرقي للمحافظة.

والثالثة تتمثل في القوى الحليفة لأميركا التي ستناط بها مهمة الانتشار في المحافظة، وأغلب الظن أنها ستكون القوات العربية سواء تلك المنفصلة عن "قسد" أو تلك المنضوية في إمرتها، خوفا من استياء المكون العشائري العربي في المحافظة من دخول الأكراد إليها.


ثبات المحور الروسي
من الواضح أن المحور الروسي أكثر قوة وتماسكا من المحور الأميركي، حيث يجري التحضير لمعركة دير الزور بهدوء وروية، ووفق أهداف عسكرية محددة مسبقا وتقاسم دقيق للمهام. هكذا يقوم الطيران الروسي بضربات جوية مكثفة ضد تنظيم الدولة في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة الرقة، وفي ريف حماة الشرقي، وريف حمص الشرقي، لتعبيد الطريق أمام النظام للمضي قدما نحو دير الزور.

وفي حين يعمل الإيرانيون بهدوء على تشكيل صحوات عربية في الحسكة تكون يدا للنظام للمشاركة في المعركة إن اقتضت الظروف ذلك؛ تنتشر "حركة النجباء" العراقية على بعد 60 كيلومترا جنوب البوكمال استعدادا للتحرك باتجاهها.

هذا الواقع سمح لقوات النظام بالتقدم في الريف الغربي لدير الزور من محور الرقة ومحور السخنة في ريف حمص الشرقي، لينتهي الأمر بوصول قوات النظام إلى مشارف مدينة دير الزور.

وقد تمت العملية عبر محورين رئيسيين:
ـ الريف الجنوبي الشرقي للرقة، حيث عمل النظام على دفع تنظيم الدولة لمغادرة المحافظة باتجاه دير الزور، كمقدمة لجعل الجغرافية الجنوبية لنهر الفرات في دير الزور هدفا عسكريا. الأمر الذي مكنه من الوصول إلى مقر الفوج 137 غربي المدينة.

ـ ريف حمص الشرقي، انطلاقا من بلدة السخنة باتجاه مدينة دير الزور، حيث استطاعت قوات النظام التموضع على بعد نحو 12 كيلومتراً من المطار العسكري جنوب غرب المدينة.

وبناء على هذه الصورة؛ تبدو الغلبة في المحافظة للمحور الروسي، لكن الأميركيين الذين يسعون إلى تعبيد طريق عسكري بري يمتد من الشمال الشرقي (الحسكة) إلى الجنوب الشرقي (السويداء)، مضطرون إلى السيطرة على الشريط الجغرافي في المحافظة على طول الحدود العراقية، لمنع حدوث أسفين جغرافي بين مناطق وجودهم في الشمال ونظيرتها في الجنوب.

والمشكلة التي تواجه هذا الهدف هي انتشار بعض القوى المحسوبة على إيران -وفي مقدمتهم "النجباء"- في المنطقة الواقعة بين قاعدة الزكف في ريف حمص الشرقي، والحدود الإدارية لمحافظة دير الزور من جهتها الجنوبية الشرقية.

وليس معروفا إلى الآن كيف ستكون التسوية الجغرافية بين روسيا والولايات المتحدة، لكن يبدو من سير الأمور أن محافظة دير الزور لن تكون خالصة لأي طرف كما هو الأمر في الحسكة، ولن تكون ثمة غلبة لطرف على طرف كما هو الحال في الرقة وحلب؛ على الأقل الآن في ضوء المعطيات المتوافرة.

المصدر: الجزيرة الكاتب: حسين عبد العزيز
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ