أنصاف الحلول أشد خطراً من بلا حلول ؟!
أنصاف الحلول أشد خطراً من بلا حلول ؟!
● مقالات رأي ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤

أنصاف الحلول أشد خطراً من بلا حلول ؟!

أقدّر كل جهد صادق من أجل رفع المعاناة عن أهلنا في الشام في البحث عن حل أزمته التي طالت، للجاهد منه بدايته متغافلا عن نهاياته ومآلاته، فعلى الساعي إلى مثل هذه الحلول الاعتبار من  مآلات حلول سابقة اُستوردت من هنا أو هناك لا تناسب بيئة ولا هواء، فضلاً عن أن قواعد اللعبة واللاعبين والمتلاعبين في هذه المنطقة أو تلك تتباين وربما تتناقض تماماً مع قواعد مماثلة لها في مناطق أخرى..

علّمنا التاريخ أن أنصاف الحلول  تكون كالأسبرين مع مريض السرطان أو نحوه، فقد  ينفع الأسبرين في  تسكين الألم، ولكنه ألم سريعاً ما يعود، لا سيما إن تعوّد عليه الجسم، فحينها لن تنفعه أسبرين ولا ما فوقه، وستنفجر الأزمة حال اختفاء المسكّن بشكل يكون أكثر إضراراً بالوطن والمواطن.

الإشكالية الأساسية في النظام السوري وغيره من الأنظمة الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية ليس في رأس النظام ولا في هرمه، فالهرم إنما يشكل رأس قمة جليد تُخفي أسفلها جبلاً جليدياً مصمتاً من الاستبداد والديكتاتورية ورفض الآخر، لا سيما وأن هذه الأنظمة قد تغذّت على مدى تاريخها الاستبدادي على الدم والقتل والتشريد والاعتقال، فحياتها ومصلها ودمها هو بإهانة المواطن واحتقاره، والسعي إلى نقل هذا الجسم المصمت غير الانساني والبشري إلى حياة بعيداً عن جوه وطبيعته الدموية، تماماً كزرع أشجار المانغو في سيبيريا أو زرع أشجار تلائم بيئة الأخيرة في مناطق خط الاستواء..

قد يخرج عليك المشفقون أو ممن يتظاهرون بالإشفاق فيلقون عليك المحاضرات في أن الشعب قد تعب وسئم من الحرب، وأنك تعيش في برج عاجي بعيداً عن اهتمامات الشعب،  وكأنه هو يعيش في الغوطة أو في حلب أو في المدن السورية الصامدة الصابرة، وكأنه وكيل عن شعب انتفض ضد نظام مجرم استبدادي منتصراً لكبريائه وعزته، ويتعامى هؤلاء عن حقيقة ناصعة جلية أن الشعب السوري في الداخل أكثر صموداً ممن هم في الخارج، وأنه لم يعبر يوماً عن تأفف أو غضب لما آلت إليه أوضاعه، فضلاً عن غضبه من انبطاحية البعض في الخارج بحجة استحرار القتل في الشعب السوري، فاندفع إلى السراب الذي اندفع إليه غير مرة فلم يجد عنده شيئاً..

الشعب السوري لم ينتفض ضد الطاغية بشار كشخص وإنما انتفض ضد نظام متكامل، وهو الانتفاض الذي بدأت باكورته منذ مطلع السبعينيات بوصول الطاغية الأب حافظ أسد  إلى السلطة واستمر في انتفاضته حتى الثمانينيات،  ولكن خبا في وقت من الأوقات لظروف ليس المكان لتفصيلها، ثم عاد وانتفض الشعب من جديد في آذار 2010 مطالباً بالحرية،  وبالانشقاق عن دولة العبيد.. دولة المخابرات، ولذا ما لم تتفكك دولة المخابرات ذات الـ 17 جهازاً، وتعود سوريا دولة القانون فإن الوضع سيكون أخطر مما نعيشه اليوم، حينها سينتقم هؤلاء من كل من انتفض ضدهم، ولنا في تجربة الثمانينيات عبرة وعظة، وهنا اسأل كل من يريد التصالح مع دولة عميقة بعمق جهاز المخابرات السوري هل يجرؤ هو نفسه على النزول إلى سوريا في حال عملية المصالحة، حينها سيكون مصيره كمصير من دهسته سيارات المخابرات بعد إفراجها عن بعض المعتقلين في التسعينيات، والفارق بين تلك الفترة والآن هو أن حينها لم يكن هناك ثورة ولا انتفاضة أذاقتهم مر الكأس.

ما جرى في دول باجتراح حلول سهلة سريعة مستوردة لا تحقق طموحات المنتفضين والثوار رأينا نتائجها اليوم في مصر وليبيا واليمن وتونس، فما لم يُحاسب الطغاة المستبدون ويُحاكموا في محكمة الثورة ويلقوا جزاءهم في ساحات التحرير والثورة والاعتصام فإن دولة المخابرات العميقة في ربيعنا العربي ستظل الحاكم بأمرها، وستعود حليمة إلى عادتها القديمة ..

النظام العالمي كما النظام المحلي بُني منذ الدولة القومية القطرية البائسة والسيئة الصيت والسمعة على النظام المخابراتي، وكل التحركات السياسية والديبلوماسية الظاهرة والمستترة لا تعكس حقيقة الأنظمة المستبدة عربية كانت أو أميركية أو روسية، غربية أو شرقية، فما يعكسها حقيقة هو النظام الأمني المخابراتي، وبالتالي فغضبة الشعب السوري وغيره لم تكن إلا ضد هذا الدولة المخابراتية العميقة التي سامته سوء العذاب على مدى عقود، وربما هذا ما يفسر تضافر جهود عالمية مشتركة بأشكال متعددة  لسرقة الثورة السورية، والسعي إلى إطالة معانات الشعب، لكن لم يعد للشعب ما يُخشى عليه بعد كل هذا الدمار والخراب.

 قد تكون ثمة قوى تجارية متنفذة لا تزال تحافظ على مكتسباتها التي اكتسبتها من قوت الشعب لعقود، هذه القوى التي تحالفت مع نظام الإجرام لا بد أن تلقى عاقبتها أيضاً وأن تُعيد ما نهبته من الشعب على مدى عقود، فإن كان ثمة دولة مخابراتية عميقة في سوريا، فهناك دولة تجار عميقة فيها وفي غيرها، تحالفت مع النظام ووقفت في وجه طموحات السوريين في السبعينيات والثمانينيات، وها هي تحاول الآن من جديد  بذرفها دموع التماسيح على ما تبقى من الشعب السوري أن تُنقذ نفسها من حبل مشنقة الثورة السورية، هذه الدولة التجارية العميقة لا بد أن تتفكك، ويعلم معها الشعب السوري حقيقتها وجوهرها، وكيف تشكلت وما هي خيوطها، ومن هم واجهاتها، لتعود التجارة والصناعة متصالحة مع الثورة والثوار ومتصالحة مع مصالح الشعب، لا استغلال ولا استعباد..

إن من طرح فكرة الحوار السوري _السوري سابقاً أعفى يومها الأمم المتحدة من مسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم في سوريا، ووجدتها فرصة ذهبية لتتحلل من كابوس أخلاقي يطاردها تجاه المأساة السورية ، هو نفسه  من يطرح اليوم حواراً جديداً مارثونياً مع نظام يريد الحوار من أجل الحوار لتبدأ عملية استنساخ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فنعمت اسرائيل بدفء العلاقات العربية والعالمية، وهو ما سيتكرر ويفوز الطاغية بعودة علاقاته الديبلوماسية مع العرب وغيرهم، بإعادة إنتاج نفسه، ويتحضر الوسيط العماني إلى مهمة جديدة؟!

أخيراً ما يأمله الشعب السوري هو تحرك ممنهج ومدروس، يرقب العواقب البعيدة كما يهتم بالمصائب القريبة، لا تحرك فزعة على ما تعودنا عليه و عُوّدنا عليه في حياتنا الاجتماعية كما السياسية، فأهل الاختصاص والمعنيون ينغبي أن يكونوا هم أول من يعلم لا  آخره، فعهد البصم وحاضر سيدي ألغته الثورة السورية، فهذا عهد الشفافية والعمل تحت الشمس؟!،

الصمود الأسطوري للشعب الشامي وانتصاراته المتلاحقة رغم كل التآمر العالمي عليه وعلى ثورته سيكون الصخرة التي تتحطم عليها كل أحلامهم ومخططاتهم الشريرة.

المصدر: شؤون خليجية الكاتب: د ـ أحمد موفق زيدان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ