أبواب جنيف المغلقة
أبواب جنيف المغلقة
● مقالات رأي ١ أبريل ٢٠١٧

أبواب جنيف المغلقة

أتوقع أن تنتهي الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف السورية دون أن تحقق شيئاً في المضمون، وسيزداد شعور السوريين بالضيق مما قد يرونه عبثاً، وعلينا أن نعذر أولئك المنتظرين في مخيمات اللجوء في خيام تذروها الرياح والعواصف ويحرقها الهجير، لبارقة أمل لم تظهر بعد، ويبدو أنها لن تظهر من جنيف، وأن نصبر على من باتوا يكرهون رؤيتنا في قاعات المؤتمرات وأروقة الأمم المتحدة، ومن سيذكروننا بقول شاعرنا ابن حوران المبدع، أبي تمام «السيف أصدق إنباءً من الكتب»! ومن حقهم أن يفقدوا إيمانهم بجدية التطلع إلى حل سياسي وهم يرون النظام وحلفاءه يزعمون الموافقة على وقف إطلاق النار بينما طائراتهم تدمر القرى والمدن وتهجر السكان وتقتل البشر، وعلى ملأ من العالم فشلت اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي وقعها لافروف وكيري في فبراير 2016 ولم تبد أي من الدولتين حرصاً على توقيع وزيري خارجيتهما. وكذلك لم يلتزم النظام وحلفاؤه باتفاقية وقف إطلاق النار التي أبرمت في ديسمبر في أستانة، بل إن النظام وحلفاءه صعدوا القصف في حمص والغوطة وفي عدد من المحافظات، وهجروا أهل الوعر، واليوم يتابعون تهجير أهل مضايا والزبداني ويخططون لتهجير أهل الغوطة، ويهدد «حزب الله» السوريين بالباصات الخضر التي تنقل السكان قسراً من بيوتهم إلى المخيمات لإحلال مستوطنين غرباء مكانهم.

وأما مشاركة النظام في مفاوضات جنيف فهي شكلية هدفها إبراز إشاعة كون النظام يبحث عن حل سياسي مع أنه يتابع الحسم العسكري، وقد أصر على أن يناقش مع الأمم المتحدة ملف الإرهاب وحده لأنه يتهم المعارضة السياسية كلها بالإرهاب، متجاهلاً أنه ارتكب أفظع الجرائم الإرهابية في تاريخ البشرية! فلم يسبق أن قصفت دولة شعبها بالكيماوي وبكل الأسلحة المحرمة، أو أبادت مدناً هي محافظاتها، ولم تتسبب دولة في التاريخ في هجرة أكثر من 60 في المئة من أبناء شعبها تشردوا في أنحاء الأرض، ويبدو النظام مستعداً لتمزيق سوريا وتقسيمها إلى دويلات متصارعة مقابل أن يحتفظ بكرسي رئاسة لم يعد لها أي حضور أو سيادة.


لقد فقد الداعمون للنظام احترامهم الشكلي له فقد بات «حزب الله» والإيرانيون يفاوضون على إخراج أهل الفوعة وكفريا من بيوتهم ونقلهم إلى الزبداني اللتين سيقوم «حزب الله» وإيران بتهجير سكانهما قسراً وعنوة على مرأى العالم كله، ليجعلوا من ريف دمشق الغربي مستعمرة شيعية هدفها حماية طريق لبنان والإحاطة بعاصمة الأمويين التاريخية برايات طائفية.

ويصمت النظام على فجيعة أخرى تحدث في شمال سوريا، حيث تذكرنا الأحداث المتلاحقة التي يسارع فيها حزب «البي يي دي» لاقتطاع محافظات سورية بذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور، ولا أدري من هو بلفور القرن الحادي والعشرين الذي يمكن أن يكون قد وعد بعض الغلاة من الأكراد بإقامة دولة لهم في الشمال السوري، فهؤلاء يهددون اليوم بضم محافظة الرقة إليهم! وهم يقولون إنهم يريدون فيدرالية ضمن سوريا، ولكن هناك من يغريهم بالانفصال رويداً رويداً لإذكاء صراع عربي كردي لم يسبق أن حدث في تاريخ العلاقة المديدة بين الكرد والعرب. ولئن كنا نحرص على إنصاف الكرد وتمكينهم من حقوقهم السياسية والثقافية واللغوية والإدارية ولدينا في رؤية الهيئة العليا للمفاوضات بيان صريح بدعم ما سميناه القضية الكردية ضمن بوتقة القضية السورية عامة، لكننا أشد حرصاً على وحدة سوريا أرضاً وشعباً متعدد الأعراق والأطياف. ولا نقبل بحال أن يتقاسم السوريون بلادهم وأن يمزقوها إلى دويلات صغيرة متصارعة، والعجب أن يدعم النظام توجه هذا الحزب الكردي المتطرف في سلوكه وفي مطالبه، مما يجعلنا نشك بوجود خطة تقسيم سرية قد تظهر شيئاً فشيئاً، وتفسر حرص النظام على تهجير الآلاف من أهل السنة من حمص ومن دمشق وريفها إلى إدلب ونقل شيعة إدلب إلى مضايا والزبداني، والعالم صامت يتفرج.

ورغم ضعف تفاؤلي بمفاوضات جنيف أجدني حريصاً على استمرارها لمجرد أنها تجعل القضية السورية حارة وساخنة وعلى مسرح دولي كبير، وقد يكون التوقف عن مفاوضات سياسية مبرراً لجعل القضية منسية دولياً أو هامشية.

ولكنني أدرك أن أبواب جنيف مغلقة أمام الحل السياسي، ولن تفتح إلا حين يظهر اتفاق دولي يتخذه مجلس الأمن بقرار صارم دون ظهور لـ«الفيتو»، ولا ندري متى يحدث، ولكننا ندعو الله أن يكون قراراً لصالح شعبنا وألا يكون هناك وعد مثل وعد بلفور لأحد، فإن لم يكن فستبقى شلالات الدم تفيض ولن يوقفها غير حل عادل.

المصدر: الاتحاد الكاتب: رياض نعسان آغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ