مسلم يهاجم المسلمين .. ومسيحي يدافع عنهم
مسلم يهاجم المسلمين .. ومسيحي يدافع عنهم
● مقالات رأي ٣ سبتمبر ٢٠١٦

مسلم يهاجم المسلمين .. ومسيحي يدافع عنهم

الأول إياد شربجي المسلم في مقالته " دور العبادة تابعة ومتبوعة ".

والثاني نادر الجبلي المسيحي في مقالته القصيرة " لا أعرف مسلماً متطرفاً ".

المقالتان نشرتا في موقع واحد.

إياد شربجي حمل في رأسه صورتين، الأولى سلبية ظلامية راسخة، وكارهة ومشوهة للإسلام والمسلمين، والثانية إيجابية متألقة للكنسية المسيحية، ثم راح يبني على الصورتين مقدمة المقالة ونتيجتها، وما بينهما من أسلوب هجائي أو مدائحي.

منذ بداية السطر الأول يقفز الكاتب مباشرة إلى إصدار الحكم الجائر على المسلمين، فهو يقول: لا يخفى على أحد الجموع الغفيرة من المسلمين التي تحضر الخطب والدروس في المساجد والحلقات، وتشاهد على الشاشات وتقرأ في الكتب لرجال دين يبثون الهذيان والخوف والكراهية والتخريف في العقل الجمعي للمجتمع ".

هكذا يقرر إياد شربجي، وبتعميم وشمولية، بأن الإسلام هو مجرد هذيان وخوف وكراهية وتخريف، وأن شيوخ الجوامع هم من ينقل إلى العامة هذا المبدأ، ويتناسى أن الإسلام ليس هكذا، وأن له وجهاً آخر، فهناك عشرات الآلاف من علماء ومفكرين إسلاميين متنورين يعتمدون العقل والتفكير المنهجي أسلوباً للفهم والتوصيل في دراساتهم للإسلام ورسالته الدينية والاجتماعية والإنسانية.

ولكي يدعم الكاتب مقولته السابقة راح يشرح ويفصل كيف أن رجال الدين ينشرون مفاهيمهم التضليلية، ويضعون حشود المسلمين داخل إطار التعبئة العقائدية، من انتصار الإيمان على الكفر وأفضلية المسلم على غيره من البشر، مع ترهيب الناس بالعقاب والموت وعذاب القبر وجهنم، بعيداً عن شدّ أواصر المحبة بين البشر، أو تقديم الخير للبشرية لغير المسلمين. وهو بذلك يهيئ لتقديم النقيض الإيجابي الموجود في الآخر، أي في الكنيسة.

لكن ما أورده الكاتب من كلام تضليلي، هو مجاف للحقيقة، أو مجتزأ من السياق الديني العام، فالإسلام والمسلمون ليسوا ضد المحبة بين البشر، أو ضد فعل الخير لغير المسلمين، مع الإشارة إلى أن الكاتب يقدم حيثياته من خارج نطاق الحياة الواقعية التي يعيشها المسلمون في هذا العصر المليء بالكراهية والعداء للإسلام والمسلمين بشكل خاص.  

كما أن رجال الدين عند الشربجي يحرّضون الناس ضدّ ما يسميهم العقلاء والناقدين، " حتى حوّلوا عامة الناس إلى ( شبيحة ) يتحفّزون لسب وشتم وتكفير.." وهو يقرر أن رجال الدين هم رموز دينية لا يجوز انتقادهم، وإلا اعتبر ذلك اعتداءً على الدين نفسه.

هذا الكلام من الكاتب ليس صحيحاً، إلا عند بعض العامة، فرجل الدين ليس مقدساً، ولاسيما عند أهل السنة الذين يقصدهم الكاتب في كلامه، فهم لا يقدسون رجال الدين، بل يهاجمونهم إن أخطأوا.

ثم يأتي الكاتب إلى الوجه الإيجابي في مقالته، حيث يصور الكنيسة على النقيض من الجامع، كمؤسسة تنتج قيماً إنسانية وسلوكية حقيقية، وليس فقط طقوساً دينية ". فالكنائس في أميركا هي نقاط اجتذاب، وليست نقاط سيطرة، فهي تقيم الاحتفالات والمناسبات والدورات التعليمية للوافدين واللاجئين الجدد لأميركا، حيث تجد هناك المسلمة المحجبة والبوذي المتدين، وتجد المكسيكي الفقير، والمضطهد الافريقي، وكلهم تتم مساعدتهم من قبل الكنيسة دون أن تستخدم حاجاتهم لاستمالتهم في سبيل تغيير قناعاتهم ومعتقداتهم ".

ولتأكيد ذلك يورد الكاتب ما جرى معه بأسلوب رومانسي تعاطفي، ويذكر أنه دُعي شخصياً هو وعائلته على مدى عامين لطعام إفطار رمضاني في إحدى كنائس واشنطن، وسمع آذان الإفطار وتلاوة القرآن في قلب الكنيسة، وشاهد دموع المصلين تأثراً بقصص السوريين. كما يذكر أن زوجته تطوعت ببعض نشاطات الكنيسة الانسانية، ولم يكلمنا أحد بالتحوّل إلى المسيحية.

وهنا نريد أن نسأل الكاتب: هل حقاً أن الكنائس تفعل ذلك دون أن يكون لها هدف لاهوتي على المدى القريب أو البعيد.!؟. إن كان الكاتب ينكر ذلك فأحيله إلى نشاط المبشرين المسيحيين الذين يجوبون العالم شرقاً وغرباً منذ مئات السنين وحتى الآن، ولا سيما في القارة الأفريقية، حيث الفقر والتشرد والأفكار البدائية، ولذلك فالمؤسسة التبشيرية الغربية تقدم الإغراءات المادية والمساعدات الإنسانية الكبيرة لهؤلاء الناس من ميزانيتها التي تقدر بمليارات الدولارات، وتحت تصرفها أسطول من الطائرات، كما تقول إحدى الدراسات.

وأنا هنا لا أقف من هذه النشاطات التبشيرية موقفاً لا سلبياً ولا إيجابياً، فالدعاة المسلمون يفعلون ذلك أيضاً، وإن كان ذلك بقدرات مادية أقل بكثير من قدرات الكنيسة، ولكنني فقط أذكّر الكاتب أن نشاط الكنائس ليست بريئة براءة خالصة، دون أن يكون وراءها شد وجذب للدين المسيحي بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

والغريب أن الكاتب لم يتطرق إلى تدمير سورية وإبادة شعبها سوى بعبارته المبهمة، وكأن الإبهام مفصود " وشاهدت دموع المصلين تأثراً بقصص السوريين " ثم يتساءل في نهاية فقرته بأسلوب استنكاري، هل رأينا في مساجدنا يوماً مساعدة أو إغاثة تقدّم لغير المسلمين.!؟. ".

هذا بحق تساؤل مستهجن، فهو يقارن بين كنيسة تقع ضمن مجتمعات ثرية ومستقرة، وبين جوامع في شعوب فقيرة مضطهدة. والكاتب يعلم تمام العلم أن آلاف المساجد تم تدميرها في سورية عدا عن تدمير البُنى العمرانية، وأن من فعل ذلك، إلى جانب سلطة الأسد، هم العديد من زعماء الغرب، لاسيما الروس والامريكان، حيث يزرعون بطائراتهم الأرض السورية بالحمم التدميرية مستهدفين أولاً الأطفال والنساء، ولا أريد أن أقول بمباركة من الكنيسة، ولا سيما الروسية، باسم محاربة الإرهاب،

وهنا أحب أن أذكّر الكاتب بالمرشح ترامب للرئاسة الأميركية الذي بنى خطابه الانتخابي على كراهية المسلمين وغيرهم من الأقليات العرقية، وهل ان ترامب يتكلم باسمه وحده ام باسم شريحة واسعة جداً من المجتمع الأميركي بأفراده ومؤسساته الإنسانية والدينية. 

وأخيراً يمكن أن نتساءل: ترى ما هدف الكاتب من هجاء " الجامع " ومدح " الكنيسة " بهذا الأسلوب الفج.!؟. هل هي قناعة داخلية، أم لأنه يقيم في الولايات المتحدة، ويريد أن يصل من وراء طرح هذه الأفكار إلى أهداف نفعية شخصية لا ندري ما هي.!؟.

...........................................

أما نادر جبلي " المسيحي " فبنى قناعاته حسب معايشته للواقع في المجتمع المسلم، دون محاباة ولا مراءاة، وأتى بشواهد على ذلك من مراحل متعددة من حياته في نصه المعنون " لا أعرف مسلماً متطرفاً ". وأنا هنا أثبت معظم النص. يقول الجبلي:

- كنت التلميذ المسيحي الوحيد بين ألف مسلم في مدرستي الابتدائية في يبرود، وكنت محبوباً من الجميع، مدرسين وطلاب، لم يزعجني أحد بسبب انتمائي لدين مختلف، وأحتفظ عن تلك الأيام بأجمل الذكريات.

- عندما كان نظام القتلة يقيم الاحتفالات في باب توما المسيحية، لإظهار المسيحيين في حالة فرح وبهجة وتماه مع النظام، كنت أتقصد زيارة مجالس العزاء في مدن الغوطة مع وفد مسيحي، لعلنا نساهم في إخماد ردّات الفعل الطائفية قدر الإمكان، فكنا نُفاجأ بمستوى الود والمحبة والتقدير من قبل ذوي الشهداء.

- في معتقلي الأول والثاني كنت المسيحي الوحيد غالباً بين المسلمين في الزنازين التي كنا نُحشر بها، وكنت أخشى من ردات فعل بعض المعتقلين بسبب مواقف الطوائف المسيحية من الحراك الثوري، لكنني كنت أفاجأ أيضا بمقدار المحبة والتقدير الذي كنت ألاقيه، والذي كان له أكبر الفضل في بقائي على قيد الحياة..

- نصف قرن ونيف عشتها في سوريا قبل خروجي، ترعرعت خلالها وتعلمت وعملت بين المسلمين، وأشهد أنهم لم يكونوا يوما إلا أهلاً وأصدقاء وأخوة..

ويختم الجبلي نصه بالقول: لا تستطيع قوة في الأرض إقناعي بطائفية المسلمين في سورية، أو بتطرفهم، أو بكراهيتهم للأقليات، وما نشهده اليوم من ممارسات إنما هو ردات فعل تسببت بها قوى ومضخات الكراهية والحقد التي يديرها نظام مجرم وحلفاء لا يقلّون إجراماً.

لا تعليق على نص الجبلي، بل انحناءة تقدير مع إضافة مختصرة لأدعم ما ذكره وأؤكد عليه، فأثناء اعتقالي في بداية الثورة جاءنا معتقل جديد، أعلمنا أنه مسيحي من وادي النضارى، فلاقى منا الكثير من الألفة والمودة والترحيب، وهذا ما جعله يرتاح ويسعد لوجوده بيننا، فخففنا بذلك عنه بعض الضائقة النفسية، وكان من الشباب المثقف المتنور وله طبيعة اجتماعية تواصلية، فصرنا كمجموعة مختارة نجلس معاً ونتحاور، ونتوافق على معظم المواضيع التي يدور النقاش حولها، دون أن يكون بيننا حاجز ما يسمى " مسلم ومسيحي ".  

المصدر: شبكة شام الاخبارية الكاتب: عبد الرحمن عمار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ