الشّتات السوري ومصاعب الحياة
الشّتات السوري ومصاعب الحياة
● مقالات رأي ١٨ أكتوبر ٢٠١٤

الشّتات السوري ومصاعب الحياة

ما يواجهه السوريون الذين «وجدوا سبيلهم إلى مغادرة أرض السلطتين، سلطة الأسد وسلطة داعش» أكثر تعقيداً من «مصاعب الحياة» وفق الصّديق حازم صاغيّة («الحياة» 11-10-2014). والحديث هنا عن مجتمع الشّتات السّوري تحديداً الموجود بغالبيّته في أوروبا، والذي يمكن ملاحظة ثلاثة مستويات أو بيئات من التجمّع فيه: أنصار النظام، معارضوه، وأصحاب الخيارات الفرديّة ممّن اختاروا أن يعيشوا بعيداً من التجمعين السّابقين.

ولعلّ أُولى «مصاعب الحياة» لدى هذه الفئات الثلاث قدرتهم على الاندماج في مجتمع أو ثقافة بلاد المهجر أو الملجأ، وربّما قبل ذلك، رغبتهم في الاندماج. فأنصار النظام وعلى رغم أنّهم يمتلكون قدرة أكبر من معارضيه على الاندماج، كونهم غير مكشوفي الظّهر ومحميّين من النّظام فضلاً عن تفوّقهم المادّي والتعليمي بدرجة أو بأخرى عن البقيّة، إلاّ أنّ اندماجهم المنشود يبدو ناقصاً. ذاك أنّ تعلّقهم بالنظام لا يسمح لهم بالقطع مع الحياة السّابقة في سورية وشروط تلك الحياة المحكومة بعلاقاتهم بالنّظام وآمالهم ببقائه ومعاودة تلك الحياة، فضلاً عن مشاعرهم العدوانيّة تجاه الثورة وبيئتها، وبالتالي لأنصار هذه الثورة في التجمّع الموازيّ لتجمّعهم في الشّتات. وهذا ما يعني أنّهم لم ينفصلوا انفصالاً تامّاً عن نظام اشتهر بتمجيد «القضايا على حساب البشر»، بحيث يشكّلون امتداداً ضعيفاً له، واحتمالاً لنشر أفكاره وأخلاقه وإعادة تمجيد قضاياه.

وما يقال في هؤلاء يقال في البيئة الموازية لهم من أنصار الثّورة، وإنّما بدرجة أعلى من التعقيد والتشابك. ذاك أن مشكلات مجتمع الشتات المؤيّد للثورة تجعلهم بعيدين من مرحلة طلب الاندماج، فضلاً عن أنّها تزيد من ارتباطهم بالقضيّة الأم، قضيّة الوطن والثورة، بشكل عام، وقضيّة هويّتهم الجماعيّة ومظلوميّتها بشكل خاص، أي بـ «قضايا البشر» إن صحّت التسمية. هكذا يواصلون عيشهم تحت إلحاح الانتقام لهذه القضايا، فضلاً عن انتقامهم التاريخي من قضايا النّظام.

ومع أنّ من المبكّر الحكم على تجربة الشّتات السّوري طالما أنّ الثورة ما زالت مستمّرة ولم يحسم الصراع مع نظام الاستبداد، ولم تتحدّد ملامح الأجيال التي ولدت في هذه الأثناء وشكل أو حجم التركة التي سيرثونها عنه، إلاّ أنّ هذه الملاحظات تشكّل بنسبة أو بأخرى أحد الأساسات التي تقوم عليها هذه التجربة، خصوصاً في علاقتها مع «القضايا» عموماً، وموقع القضيّة السّورية منها ومصير هذه القضيّة التي بدأت في بلاد الشّتات تُفلت من أيدي السّوريّين وتتحوّل إلى قضيّة جهاد عالميّ.

بهذا يكون السوريّون أمام صراع جديد لاستعادة قضيّتهم الأولى والحقيقيّة. وفي مواجهة هذه التحديّات تبدو «مصاعب الحياة» ترفاً لم يستحقّه السّوريون بعد وإن كانت أبسط أمانيهم.

المصدر: جريدة الحياة الكاتب: حسان القالش
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ